بعيدا عن التلاوم وتبادل الاتهامات، نحتاج الآن استراتيجية واضحة قبل جولة الإعادة للانتخابات الرئاسية. وقبل هذا نحتاج أن نقرأ النتائج الصادمة للجولة الأولى قراءة كاشفة، وإلا سنكرر نفس الأخطاء. هذه عشرة جوانب لتحليل النتائج:
- التقدم الصادم لأحمد شفيق كشف قصور التحليلات السياسية وآراء النخب الثقافية. إن الملايين الخمسة الذين صوتوا لشفيق لا يمكن أن يكونوا بشراء الأصوات والمخالفات الانتخابية فقط، الكتلة الأكبر من هؤلاء لهم أسبابهم التي دفعتهم لهذا الاختيار، ولا يصح ولا يليق بنا أن نتهكم عليهم أو نهينهم على اختيارهم. أكثر هؤلاء يبحثون عن استقرار البلاد وعن فرص العمل وظنوا أن شفيق هو الضمانة لذلك. نحتاج الآن أن نفند لهؤلاء تلك المزاعم ونجتهد أن يصوبوا اختيارهم في جولة الإعادة.
- معظم الإعلام الخاص تابع لفلول النظام البائد وإن تظاهروا بالمهنية والحياد، وهؤلاء ركزوا حملتهم المسمومة على التيار الإسلامي عامة – وعلى الإخوان خاصة – في الأسابيع الأخيرة، وقد أثرت حملتهم في كثير من الناس وأفزعتهم ودفعتهم للهرب من التصويت لمرسي أو أبو الفتوح وارتمى أكثرهم في أحضان شفيق وعمرو موسى. هذا الإعلام عدو للثورة وإن دس السم في العسل وينبغي كشفه وعدم الهوادة في مهاجمته وفضحه. وقد بادر بعض رموزه أمس لتوجيه الناس أنهم في جولة الإعادة بين خياري الطاعون والسرطان.}
- غياب دور التيار السلفي عن المشهد الانتخابي، وحتى دعم البعض لعبد المنعم أبو الفتوح كان دعما باهتا وضعيفا، لم يرق للحشد الجماهيري والتعبئة الانتخابية (تأمل مثلا نتائج محافظة الإسكندرية). كما غاب رموز التيار السلفي من ذوي الجماهيرية المؤثرة عن المشهد بل وطالب بعضهم بالكف عن السياسة، في هذه اللحظات الحرجة. التيار السلفي له مؤيدون في كل قرية ومدينة ونحتاج الآن أكثر من أي وقت مضى أن نسمو على أي خلافات حركية أو حزبية لنواجه عدوا مشتركا وخصما عتيدا.
- ثبت بما لا يدع مجالا للشك تزوير استطلاعات الرأي الصادرة من جهات رسمية (مركز دعم القرار بمجلس الوزراء ومركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية) وتبين أنها موجهة ومسيسة، وهي تعكس حملة حكومية مريبة ومنظمة للتأثير على الناخبين.
- الصعود اللافت لحمدين صباحي – وهو شخصية وطنية تتميز بالنزاهة وطهارة اليد – يرجع لانحيازه الواضح للفقراء والمهمشين ولدعمه الثابت لأهداف الثورة، وهي أمور ينبغي ألا يغفلها الخطاب الديني الراشد.
- اتكأ الإعلام المغرض على تشويه صورة التيار الإسلامي واتهامه بضعف الأداء في البرلمان، ولقد أصدر نواب إسلاميون كشف حساب بالمائة يوم الأولى من عمر المجلس، وفيه انجازات كبيرة تعمد الإعلام غض الطرف عنها. إن تصحيح هذه الصورة ضروري لإقناع من صوتوا تصويتا عقابيا ضد التيار الإسلامي، مع الاعتراف – في نفس الوقت - بالأخطاء التي ارتكبها المجلس خلال عمره القصير.
- حوالي نصف الشعب لم يصوت في الجولة الأولى، ونحتاج لجهد حثيث لكسب ثقة هؤلاء ودفعهم للنزول في جولة الإعادة. إن أصوات هؤلاء ستكون حاسمة، ومن الضروري دراسة أسباب عزوفهم.
- يُحسب لحزب الحرية والعدالة هذا الإنجاز في الانتخابات بحملة انتخابية مدتها شهر واحد، وهذا يدل على قوة حشدهم وحماستهم الفائقة على الأرض. كما يحسب للحزب ممارسته الأخلاقية في الانتخابات الرئاسية فلم تصدر عنه كلمة تجريح في أي تيار وطني أو مرشح وطني.
- كانت الانتخابات نزيهة وشفافة، وكان مظهرا حضاريا أن نرى الفرز وإعلان النتائج على الهواء مباشرة وبحضور مندوبي المرشحين. ولا ننسى أن مجلس الشعب هو الذي سن هذه التعديلات على قانون الانتخابات بحيث تحمي هذه الإجراءات أصوات المصريين وتجعل التزوير صعبا جدا.
- تأمين لجان الانتخابات وأداء القضاة وأمناء اللجان كان على درجة عالية من الإتقان، تشكر عليه قوات الجيش والشرطة وقضاة مصر.
أمامنا الآن ثلاثة أسابيع على جولة الإعادة، تتطلب من كل فرد منا جهدا إضافيا للمساهمة لنجاح مرسي وإسقاط شفيق. على كل منا دور مهم لا يقل عن دور الأحزاب والكيانات. تصور لو أن كلا منا اجتهد في ترغيب عشرة من معارفه وأصدقائه وأقاربه ممن صوت لعمرو موسى أو شفيق، لتغيرت الصورة تماما.
د. محمد هشام راغب
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق