أرسل شاب لي مقطع فيديو لمنى الشاذلي على قناة إم بي سي مصر، وكان الشاب محتقنا للغاية من محتوى الفيديو. شاهدت المقطع القصير، وأدهشتني قدرة منى الشاذلي على حشد كل هذه الأكاذيب وهذا التدليس في ثلاث دقائق فقط. كنت منذ فترة لا أتابع إعلام الفلول لتأكدي مرة بعد مرة أن أكثر الإعلاميين فيه مرتزقة، وأن مشكلتنا ليست معهم ولكن مع ملاك هذه القنوات والصحف الذين يحددون سياساتها وأهدافها، والإعلاميون مجرد منفذين لا أكثر. ومع ذلك واستجابة لاحتقان هذا الشاب، أكتب هذا التعليق:
منى الشاذلي التي تعمل حاليا في قناة خليجية موجهة بالكامل لزعزعة استقرار مصر، حشدت كل هذه الأكاذيب والمغالطات في دقائق معدودة:
1 - تكلمت بأسى وحزن عن المأساة التي يعيشها الشعب المصري لأول مرة في تاريخه، بأنه أصبح يشك في القاضي الموجود في لجنة الاقتراع. ما لم تقله منى الشاذلي أن السبب في هذا يرجع لتشكيك المعارضة في القضاة ومطالباتهم للشعب بالتحقق من هويات القضاة في اللجان .. وأن هذا التشكيك الرخيص هو الذي يحدث لأول مرة .. وأنه برغم تأكيد اللجنة العليا للانتخابات بأن على كل صندوق قاضيا وأنه يوجد أربعة آلاف قاض احتياطي لأي ظروف طارئة .. وأننا لم نسمع أي اعتراض إعلامي أو من نادي القضاة أو من أي أحد عن التعرض لقدسية القضاء بهذه الطريقة الرخيصة التي أدت ببعض القضاة إلى تعليق بطاقات هويتهم على السبورة.
2 - سبلت منى الشاذلي عينيها وتكلمت بصوت متهدج لأن الشعب المصري وجحافل وملايين "الأفاضل" الذين صوتوا في الاستفتاء لا يعرفون ما هي النسبة التي سيقر بها الدستور هل هي 60% أم 70% أم 51% .. وما لم تقله منى الشاذلي أن كل الشعب يعرف أن الدستور أو رفضه سيكون بالأغلبية (50% + 1) ولو أتعبت نفسها وسألت أي عامل أو فلاح أمي (ممن يريد علاء الأسواني الحجر عليهم في التصويت) لأخبروها بهذه المعلومة السرية.
3 - قالت إن الشعب يصوت على دستور بعد أسبوعين فقط من تقديمه لرئيس الجمهورية .. وما لم تقله أن هذه المدة لا يصح تعديلها إلا باستفتاء شعبي جديد، وأن إعلام الفلول بدلا من استغلال هذين الأسبوعين لتوعية الشعب بمواد الدستور وعرض مزاياه وعيوبه، أو عقد مناظرات بين الرموز السياسية المؤيدة والمعارضة لمواد الدستور .. بدلا من هذا كله انشغل إعلام الفلول بجر البلاد لصراعات سياسية ليس غرضها الدستور أو عدمه .. وإنما غرضها - كما صرح بهذا كثير منهم - إسقاط النظام.
4 - وقالت منى الشاذلي أن هذين الأسبوعين وقع فيها إراقة دماء وامتلأت بالأكاذيب - من كل الأطراف لتكون منصفة ! - .. وليست هذه هي المشكلة وإنما العيب في من تسبب في هذا المشهد كله .. وطبعا تقصد الرئيس. وما لم تقله الشاذلي أو ما لا تستطيع أن تقوله هو أن تسرد لمشاهديها "الأكاذيب" التي وقع فيها أعضاء الجمعية التأسيسية للدستور .. أما الأكاذيب التي وقع فيها إعلام الفلول والسياسيون الذين يوفرون له الغطاء السياسي فلا تقع تحت حصر أو إحصاء.
5 - ثم كانت الطامة الكبرى عندما استدعيت قصة من التاريخ الإسلامي لتسقطها على موضوع الاستفتاء على الدستور !. فقالت إن ما يجري الآن هو شبيه بما فعله معاوية وعمرو بن العاص رضي الله عنهما (طبعا تذكر اسميهما بدون الترضي عنهما: معاوية وعمرو هكذا .. وكأنهما خصمان من حزب الحرية والعدالة) .. وقالت إن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال "والله لأدلك على أمر إن قبلوه اختلفوا وإن رفضوه اختلفوا" .. وقالت: هذا بالضبط ما حدث بالإعلان الدستوري الجديد الذي ألغى الإعلان الدستوري الذي أثار المشاكل. وطبعا غني عن القول أن هذا الاستشهاد التاريخي ليس من عقل منى الشاذلي وواضح أن وراءها من يريد أن يخبط في كل اتجاه. والتدليس في كلامها عجيب، فالرئيس في الحقيقة لم يضع الإعلان الدستوري الأخير بل وضعه أكثر من خمسين شخصية عامة (كثير منهم معارض للرئيس) ووافقوا عليه بالإجماع (يعني بنسبة 100%) .. فعلى كلامها تكون هذه النخبة الكبيرة هي التي تآمرت لتعرض على الشعب المصري شيئا إن قبلوه اختلفوا وإن رفضوه اختلفوا. وما لم تقله الشاذلي أيضا أن حزب علي بن أبي طالب رضي الله عنه كانت كلمته مجتمعة قبل التحكيم، ولا يقول عاقل أن الشعب المصري كانت كلمته مجتمعة قبل الاستفتاء ثم جاء هذا الاستفتاء الماكر والإعلان الدستوري الأخير ليفرق كلمتهم ويشتت جمعهم.
6 - ثم أخيرا تساءلت منى الشاذلي بخفة وظرف "تفتكروا بقى مين معاوية بن أبي سفيان ؟ الذي أدى إلى هذا الموقف المريب والسخيف والمحرج لكل الأطراف". .. منى الشاذلي تقع في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذه الخفة ولا تتجرأ على هذا إلا بسبب جهلها بالتاريخ الإسلامي وجهلها بالأدب الواجب مع الصحب الكرام الذين رضي الله عنهم.
د. محمد هشام راغب
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق